سورة الأحزاب - تفسير تفسير ابن كثير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحزاب)


        


{وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلا يَسِيرًا (14) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولا (15) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلا قَلِيلا (16) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا (17)}.
يخبر تعالى عن هؤلاء الذين {يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلا فِرَارًا}: أنهم لو دَخل عليهم الأعداء من كل جانب من جوانب المدينة، وقُطر من أقطارها، ثم سئلوا الفتنة، وهي الدخول في الكفر، لكفروا سريعًا، وهم لا يحافظون على الإيمان، ولا يستمسكون به مع أدنى خوف وفزع.
هكذا فسرها قتادة، وعبد الرحمن بن زيد، وابن جرير، وهذا ذم لهم في غاية الذم.
ثم قال تعالى يذكرهم بما كانوا عاهدوا الله من قبل هذا الخوف، ألا يولوا الأدبار ولا يفروا من الزحف، {وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولا} أي: وإن الله تعالى سيسألهم عن ذلك العهد، لا بد من ذلك.
ثم أخبرهم أن فرَارهم ذلك لا يؤخر آجالهم، ولا يطول أعمارهم، بل ربما كان ذلك سببًا في تعجيل أخذهم غرّة؛ ولهذا قال: {وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلا قَلِيلا} أي: بعد هَرَبكم وفراركم، {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى} [النساء: 77].
ثم قال: {قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ} أي: يمنعكم، {إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا} أي: ليس لهم ولا لغيرهم من دون الله مجير ولا مغيث.


{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلا قَلِيلا (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19)}.
يخبر تعالى عن إحاطة علمه بالمعوقين لغيرهم عن شهود الحرب، والقائلين لإخوانهم، أي: أصحابهم وعُشَرائهمِ وخلطائهم {هَلُمَّ إِلَيْنَا} أي: إلى ما نحن فيه من الإقامة في الظلال والثمار، وهم مع ذلك {لا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلا قَلِيلا. أشحةً عليكم} أي: بخلاء بالمودة، والشفقة عليكم.
وقال السُّدي: {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ} أي: في الغنائم.
{فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} أي: من شدة خوفه وجزعه، وهكذا خوف هؤلاء الجبناء من القتال {فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} أي: فإذا كان الأمن، تكلموا كلامًا بليغًا فصيحًا عاليًا، وادعوا لأنفسهم المقامات العالية في الشجاعة والنجدة، وهم يكذبون في ذلك.
وقال ابن عباس: {سَلَقُوكُمْ (4)} أي: استقبلوكم.
وقال قتادة: أما عند الغنيمة فأشح قوم، وأسوأه مقاسمة: أعطونا، أعطونا، قد شهدنا معكم. وأما عند البأس فأجبن قوم، وأخذله للحق.
وهم مع ذلك أشحة على الخير، أي: ليس فيهم خير، قد جَمَعُوا الجبن والكذب وقلة الخير، فهم كما قال في أمثالهم الشاعر:
أفي السّلم أعْيَارًا جَفَاءً وغلظَةً *** وَفي الحَربْ أمْثَالَ النِّسَاء العَوَاركِ
أي: في حال المسالمة كأنهم الحمير. والأعيار: جمع عير، وهو الحمار، وفي الحرب كأنهم النساء الحُيَّض؛ ولهذا قال تعالى: {أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} أي: سهلا هينا عنده.


{يَحْسَبُونَ الأحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الأحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلا قَلِيلا (20)}.
وهذا أيضا من صفاتهم القبيحة في الجبن والخوف والخور، {يَحْسَبُونَ الأحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا} بل هم قريب منهم، وإن لهم عودة إليهم {وَإِنْ يَأْتِ الأحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ} أي: ويَوَدّون إذا جاءت الأحزاب أنهم لا يكونون حاضرين معكم في المدينة بل في البادية، يسألون عن أخباركم، وما كان من أمركم مع عدوكم، {وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلا قَلِيلا} أي: ولو كانوا بين أظهركم، لما قاتلوا معكم إلا قليلا؛ لكثرة جبنهم وذلتهم وضعف يقينهم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8